نعم توشكى مشروع واعد

بعد شهر واحد من تولى حقيبة وزارة الموارد المائية والرى، قمت خلالها بدراسة لكل وثائق مشروع توشكى منذ بداياته فى عام 1997وقمت بزيارة ميدانية للمشروع التقيت خلالها بممثلى شركات الاستصلاح والمقاولات وايضا العاملين بالمشروع، وتم نقل الصورة كاملة للسيد رئيس الجمهورية وبناء عليه اعطى التوجيه بزيارة المهندس ابراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء وصاحبه مجموعة من الوزراء المعنيين الى المشروع.

ولعلى أبدأ من حقائق الأمر الواقع:قام مشروع توشكى على فكرة ذكية وهى صعوبة امرار مياه اضافية من السد العالى لعدم قدرة شبكة الرى الحالية على استيعاب مزيد من التصرفات,وبالتالى تكون فرص الاستصلاح امام السد وبجوار البحيرة اجدى اقتصاديا وارشد استخداما لنقطة المياه، خصوصا وان هناك نقطة رفع واحدة عن طريق المحطة العملاقة لتنساب المياه فى باقى الافرع بقوة الجاذبية الارضية. كما قام المشروع بهدف إضافة مساحة جديدة من الأراضى الزراعية تبلغ نحو 600 ألف فدان تروى بالمياه السطحية من نهر النيل بالإضافة إلى المياه الجوفية المتوافرة بالمنطقة، مع إقامة مجتمعات زراعية وصناعية متكاملة تقوم على استغلال المواد الزراعية الأولية ثم تمتد لتشمل الصناعات القائمة على الخامات المحلية والتعدين وإنتاج الطاقة.

ولم تقتصر اهداف المشروع على التنمية الزراعية بل امتدت لتشمل فتح آفاق جديدة فى الصناعة والتجارة والتنقيب عن المعادن والمواد الخام. مع تشجيع النشاط السياحى بالمنطقة وكذلك سياحة السفارى والسياحة العلاجية وسياحة رالى السيارات. وإنشاء وتطوير شبكة الطرق بما يخدم أهداف وخطط التنمية بالمنطقة.

هذه الاهداف الطموحة لم يتحقق منها الكثير، ونظرة مدققة للواقع نجد انه تم الانتهاء من تنفيذ 97% من اعمال البنية الأساسية فى توشكى واطلاق المياه بالترعة الرئيسية وفرعى (2,1) وهناك جاهزية لاطلاق المياه بفرع (3) طبقا لتقدم اعمال الزراعة بالفرع.اجمالى المساحة المنزرعة حاليا هى حوالى 21.5الف فدان بالاضافة الى 37 ألف فدان تم استصلاحها وجاهزة للزراعة.

الخلاصة ان لدينا فى اقصى جنوب مصر شبكة متكاملة من المجارى المائية تم انفاق 6.4 مليار جنيه عليها منذ اكثر من سبعة عشر عاما، اى ان القيمة الحقيقية لما تم استثماره تتجاوز حاليا الثلاثة اضعاف باسعار اليوم، مما دفعنى الى اعادة اكتشاف المشروع بعد ان كاد ان يطويه النسيان حرصا على ما تم انفاقه وتلافى اسباب تعثره. وبالتاكيد هناك مشكلة حقيقية فى بطء معدلات الاستصلاح التى ينفذها المستثمرون بتوشكى. تلك المشكلة تحتاج الى مزيد من التدقيق والفرز حتى نضع يدنا على مواطن الخلل ونشخص الاسباب بكل وضوح

هناك عدة معوقات واجهت المشروع كما كان مخططا له سابقا، وكانت سببا فى بطء معدلات الاستصلاح، منها غياب محفزات الاقامة الدائمة بالمنطقة. فعلى سبيل المثال لم يتم تنفيذ مدينة توشكى التى كانت مقررة على مساحة 10 آلأف فدان كمقر اقامة دائمة تشجع المزارعين على التوطين ، كما تعانى المنطقة من غياب الخدمات الصحية بعدما توقف العمل فى مستشفى لم تستكمل تجهيزاته مما يعرض كثيرا من العاملين لمخاطر الازمات الصحية خصوصا وان اقرب مستشفى يقع فى مدينة ابوسمبل على بعد 100 كيلومتر من المشروع. وكثير من مناطق توشكى تعانى من غياب خدمات الاتصالات.

بالاضافة الى تأثر المشروع بالتغيرات الكبيرة التى وقعت منذ 25 يناير 2011 خصوصا الانفلات الامنى الذى ادى الى تعرض كثير من مهمات ومعدات الشركات للسرقة وبالتالى تعثر عدد كبير منها.الشاهد ان توشكى اصبحت مثل قاطرة ضخمة مصممة على السير بسرعة فائقة لكن طريقها عبارة عن مدقات جبلية تعوق حركتها وتمنع الاستفادة من سرعتها.

لذلك كانت البداية بتذليل العقبات امام شركات المقاولات العاملة بالمشروع (ست شركات) من خلال حصر لكافة الاعمال المتبقية والاتفاق معها على استكمال تلك الأعمال لتحقيق الاستفادة مما تم تنفيذه وذلك طبقاً لبرنامج زمنى محدد تم اعتماده من الشركات المنفذة والوزارة، مع طرح أعمال اضافية لاستكمال ما تم تنفيذه وهى كلها أعمال تصل قيمتها الى 186 مليون جنيه اى لا تمثل اكثر من 3% من حجم الاستثمارات التى تم انفاقها بالفعل.

وربما تكون قبلة الحياة للمشروع أتت من خلال ادراج 138 الف فدان ضمن خطة استصلاح مليون فدان بالبرنامج الانتخابى للرئيس عبد الفتاح السيسى. وهى تنقسم الى مساحتين الاولى 108 آلاف فدان تروى من فروع الترعة الرئيسية، وهناك 30 الف فدان بجوار المشروع الحالى مقرر ريهما على المياه الجوفية من خلال حفر 300 بئر، خصوصا ان ملوحة المياه هناك تتراوح ما بين 400 الى 1000 جزء فى المليون وتوجد هذه الأبار بجوار بحيرة ناصر بما يضمن استدامة انتاجها.

من الأهمية بمكان ان نتجنب العثرات التى وقعت فى الماضى اذا أردنا لتوشكى النجاح، وذلك من خلال تطبيق عدد من المعايير اللازمة لنجاح اى مشروع، هذه المعايير هى التى ستمهد الطريق لانطلاق قاطرة توشكى.

وهى أيضا ما تم الاتفاق عليه خلال الزيارة الاخيرة للسيد المهندس ابراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء والوزراء المعنيين للمنطقة. تتضمن المعايير العمل بشكل متكامل. واعادة النظر لتوشكى كمشروع تنموى مجتمعى وليس كمشروع رى او زراعة فقط. مع ضمان التنسيق والتزامن بين الانشطة المختلفة: بناء مدينة توشكى السكنية متكاملة المرافق والخدمات ومجموعة من القرى تنتشر على كامل مساحة المشروع لخدمة العاملين. استكمال المستشفى ومد خدمات الاتصالات وتكثيف الوجود الامنى، وبناء مدارس ، وتوفير مستلزمات الزراعة من خلال إنشاء فرع لبنك التنمية والائتمان الزراعى. وإنشاء مصانع لخدمة الانتاج الزراعى وتقديم التسهيلات للمصدرين بالاعتماد على مطار ابوسمبل القريب من المشروع.

وإننى أدعو جميع منتقدى مشروع توشكى ان يتذكروا السد العالى والهجوم الضارى الذى تعرض له أثناء الإنشاء وخلال فترة السبعينيات، لكن الآن وبعد اكثر من نصف قرن ازددنا اقتناعا بأهمية السد وجدواه. وأقول إننا لابد أن نتعلم من دروس الماضى اذا كنا نريد ان نفهم ونعيش المستقبل.

حفظ الله مصر وشعبها ونيلها من كل سوء