مصر ودول حوض النيل … مستقبل له تاريخ (4) الكونغو الديمقراطية

فى الحلقة الرابعة من سلسلة مقالاتي حول الجذور التاريخية للعلاقات بين مصر ودول حوض النيل، نتناول اليوم العلاقات التاريخية بين مصر والكونغو الديمقراطية التى تربطنا بها علاقات استراتيجية عميقة ترجع الى اوائل ستينيات القرن الماضي، فقد كان لمصر دور هام ابان ازمة الكونغو فى الستينيات والقضاء على الاستعمار ودعم الرئيس الكونغولى الراحل لومامبا، وارتبط البلدان بعلاقات وثيقة فى مختلف المجالات. هذه العلاقات الاستراتيجية تبدو اكثر وضوحاً من خلال دعم الكونغو الديمقراطية لمصر فى كثير من المواقف داخل المحافل الاقليمية والدولية، كما تبدو هذه العلاقات فى التوافق بين الدولتين فى الرؤى حول العديد من القضايا المشتركة، ولعل تطابق وجهات النظر بين الدولتين حول قضايا مياه النيل دليلاً على ذلك، حيث تتفق الدولتان على أهمية استمرار التفاوض بين كافة دول حوض النيل  للوصول الى التوافق الامثل للمضي قدماً فى تنفيذ المشروعات والبرامج التنموية الكفيلة بتحقيق كافة مصالح دول الحوض، وانعكس هذا التوافق عملياً فى عدم التوقيع على الاتفاقية الاطارية لمبادرة حوض النيل المعروفة اعلامياً باتفاقية عنتيبى من جانب الدولتين حتى الان.

لقد شهدت العلاقات بين مصر والكونغو الديمقراطية خلال العقدين الأخيرين تطورا إيجابيا على جميع الأصعدة سواء إقتصاديا أو ثقافيا أو سياسياً ، ففى مجال الموارد المائية والري وقعت مصر والكونغو فى ديسمبر 2010 على بروتوكول للتعاون بين الدولتين فى مجال الموارد المائية والري، حيث اتفقت الدولتان على ضرورة تقديم الدعم الفني للتعرف على خصائص حوض نهر الكونغو وتحديث كافة الدراسات ذات الصلة، واعداد الدراسات الهيدرولوجية والجيوفيزيقيه للمياه السطحية والجوفية، بالإضافة الى تقديم الدعم الفني وصياغة برامج التوعية البيئية للحفاظ على نوعية المياه والحد من التلوث، فضلاً عن دراسة امكانية حفر وصيانة العديد من الابار الجوفية وتدريب وبناء القدرات للكوادر الكونغولية فى مجال الادارة المتكاملة للموارد المائية.

وترسيخاً للتعاون بين الدولتين فى مجال تنمية الموارد المائية فى الكونغو، تم التوقيع على بروتوكول للتعاون الفني فى مارس 2012 بقيمة اجمالية تقدر بنحو 10,5 مليون دولار، حيث يتضمن البروتوكول العديد من المكونات التى تغطى كافة المجالات المتعلقة بالموارد المائية مثل مشروع اعداد دراسة الجدوى لإنشاء بنية تحتية كهرومائية لإنتاج الطاقة من نهر السمليكى، وإنشاء مركز للتنبؤ بالفيضان والتغيرات المناخية، كما  يتضمن البروتوكول حفر 10 آبار مياه جوفية مزودة بشبكات توزيع، و20 بئر جوفي تعمل بطلمبات لتوفير مياه الشرب فى المناطق القاحلة لخدمة السكان والثروة الحيوانية، فضلاً عن المكون الخاص بتبادل الخبرات من اجل الاستفادة من الخبرات المصرية، وتدريب الكوادر البشرية وبناء القدرات فى مجال الموارد المائية والري والزراعة والكهرباء. ولكن للأسف لم يتم تفعيل هذا البروتوكول منذ توقيعه وحتى مايو الماضى .

وفى اطار توجيهات القيادة السياسية بتفعيل التعاون مع كافة الدول الأفريقية قمنا بأول زيارة للتعاون الثنائى يقوم بها وزير الرى المصرى نهاية شهر مايو الماضى من خلال رحلة طويلة استغرقت 12 ساعة لعدم وجود خط طيران مباشر بين مصر والكونغو شاهدت خلالها الغطاء الاخضر للمزروعات والأشجار نظراً لسقوط الأمطار بغزارة، وربما كانت الزيارة قليلة فى عدد ساعاتها لكنها كانت عميقة الأثر لتعاون طموح مع دولة نكن لها كل الحب والتقدير وكان هدف الزيارة تفعيل تنفيذ البروتوكول حيث لقيت كل ترحاب وتقدير من الجانب الكونغولي لمصر على المستوى الرسمى والشعبى وحظينا بمقابلة السادة الوزراء المعنيين وتوجت الزيارة بمقابلة السيد جوزيف كابيلا رئيس الجمهورية الذي أكد علي عمق ومتانة العلاقات بين الدولتين الشقيقتين وتطلعه لتواجد مشروعات مصرية داخل الكونغو، وأرسل تحياته لمصر قيادة وشعباً وساهم وجود سفير مصر اللامع فى كينشاسا السيد / هانى صلاح فى نجاح الزيارة لأقصى حدود مما جعل الزيارة حجر أساس متين لعلاقة إستراتيجية مع دولة تكن كل الحب والتقدير لمصر.

وحرصاً من القيادة السياسية فى مصر على ترسيخ العلاقات مع الكونغو الديمقراطية، فقد تم التأكيد على دعوة سيادته لحضور حفل إفتتاح قناة السويس الجديدة ووعد بإتمام هذه الزيارة لمصر لتلبية الدعوة ومشاهدة هذا الانجاز التاريخى لمصر قيادة وشعباً وتطلعه للقاء الرئيس عبد الفتاح السيسى.

حفظ الله مصر وشعبها ونيلها من كل سوء.