مصر ودول حوض النيل..مستقبل له تاريخ (1) السودان

في بداية سلسلة من المقالات حول العلاقات التاريخية بين مصر ودول حوض النيل التي نتشارك معها في مياه نهر النيل، وفى ظل الرؤية الجديدة للدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى للعودة مجددا الى الساحة الافريقية، أرى أهمية البدء بالحديث عن السودان التى تحتل مكانة خاصة في قلب كل مصري.

ومنذ ان توليت مسئوليتي كوزير للموارد المائية والري، آثرت ان تكون السودان هى اول دولة ازورها وتكررت زياراتى لها ست مرات خلال العام الماضى، وفى كل زيارة كان شعورى بالالفة والدفء يجعلنى اظن اننى مازلت فى القاهرة. وقد احتفظت خلال تلك الزيارات بمشاعر ود وصداقة مع جميع من تقابلت معهم هناك، ونشأت بيننا وبين القائمين على ملف المياه ، وخاصة وزير المياه السوداني ، كيمياء ود وتفاهم.. كما التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي – منذ توليه رئاسة مصر- مع الرئيس السوداني المشير عمر البشير اربع مرات ، وهى اشارة تدل على اهمية وحيوية العلاقات التي تربط البلدين، كما انها اشارة الى التوافق والانسجام في الرؤى المشتركة بين البلدين.

ان علاقاتنا القديمة بالسودان بشأن مياه النيل قد تعززت منذ اوائل القرن الماضي، حيث تحتضن السودان اكبر بعثة مصرية للري في دول حوض النيل، فلدينا ادارة مركزية للري المصري تضم حوالى 45 مهندسا وموظفا وفنيا، وتوجد أيضاً بعثة ري سودانية في مصر للتنسيق مع الجانب المصرى.

كما زاد من ترسيخ هذه العلاقة بين الدولتين توقيع اتفاقية الانتفاع المشترك لمياه النيل في نوفمبر 1959 والتي تعتبر نموذج مثالياً لمبدأ الانتفاع المشترك، ووضعت الاتفاقية آلية تمثلت في الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل، وهى نموذج للتعاون بين الدولتين في القضايا الخاصة بنهر النيل، حيث تتمثل مهامها في تحقيق التعاون الفني بين البلدين واجراء البحوث والدراسات اللازمة لمشروعات ضبط نهر النيل وزيادة إيراده، فضلاً عن استمرار الأرصاد المائية على النهر في أحباسه العليا.

وتقوم الهيئة  بالتنسيق مع المختصين من دول حوض النيل بوضع نظم التشغيل للأعمال والمشروعات التي تقام بهذه الدول، كما تمثل الهيئة القاعدة المشتركة للتفاهمات المصرية السودانية المتعلقة بالموارد المائية بالنسبة لعلاقة البلدين بعضهما البعض أو فيما يتعلق بعلاقتهما مع دول حوض النيل الأخرى.

وقد استمرت الهيئة منذ انشائها عام 1959– في القيام بمهامها على اكمل وجه، وقد انهت منذ ايام الاجتماع رقم (55) والذى عقد بالقاهرة فى اشارة لا تخطأها العين على 55 عاما من العمل المشترك منذ توقيع الاتفاقية. وهناك بعثة مشتركة مصرية سودانية يتم ايفادها سنويا للابحار فى بحيرة ناصر للقيام باعمال بحثية مثل تحديد حركة الاطماء وحجم المواد المترسبة ونوعية المياه واماكن نمو الحشائش وغيرها من الموضوعات الحيوية المرتبطة بالبحيرة وتدفق المياه اليها

كما استضافت العاصمة السودانية الخرطوم لقاءاً ضم وزراء الزراعة والموارد المائية و الري في البلدين بحضور الوفود الفنية المرافقة والسادة أعضاء مجلس ادارة شركة التكامل من الجانبين فى شهر ابريل الماضى لدفع انشطة التنمية الزراعية فى 100 الف فدان. وقد تم الاتفاق على إنشاء لجنة وزارية مشتركة للزراعة والأمن الغذائي، واستمرار الشركة السودانية المصرية للتكامل الزراعي بالنيل الأزرق مع إعادة هيكلتها، وتحديد الأولويات في إطار زراعة تكاملية بالتركيزعلي الحبوب الزيتية، والتصنيع الغذائي، وتنفيذ مشروع اللحوم الاستراتيجي بين البلدين، ومشروع للاستزراع السمكي والإنتاج العلفي بولاية نهرالنيل، فضلاً عن تنفيذ مشروعات حصاد المياه. كما تمت الموافقة على الطلب المصرى بزيادة مساحة التكامل الزراعى 100 الف فدان اضافية، وعلى الفور تم ارسال وفد فنى من خبراء وزارتى الموارد المائية والرى والزراعة لمعاينة مواقع المشروعات

كما جاء افتتاح معبر قسطل بين البلدين منذ اسابيع ليصبح جسرا يحقق مزيد من التواصل والتبادل التجارى بين البلدين. وقد تلاحظ ارتفاع كثافة الرحلات البرية منذ افتتاح المعبر والذى يشير الى فرصة قوية  للتواصل بين الشعبين

وهناك مشروعات جديدة للتعاون الفني مع دولة السودان ستبدأ مصر في تنفيذها قريباً تتضمن إنشاء 20 سد ترابي صغير لحصاد مياه الأمطار والفيضان، وعمل دراسة جدوى فنية لإنشاء سدود في ولاية البحر الاحمر، وتدريب وبناء القدرات في مجال إدارة المصادر المائية وذلك بتكلفة اجمالية 12 مليون دولار.

ندعو الله ان يحقق وحدة وادى النيل، ويحفظ مصروالسودان وشعبهما واهلهما ونيلهما.