فى إطار سلسلة المقالات عن دول حوض النيل نتناول اليوم العلاقات التاريخية بين مصر وتنزانيا والتي تعود الى ستينات القرن الماضي عندما كانت مصر من أول الدول التى اعترفت بدولة تنزانيا عام 1963، الأمر الذى كان له أثراً كبيراً فى ترسيخ العلاقات التى ربطت بين جوليوس نيريرى، أول رئيس لتنزانيا بعد الاستقلال، وبين جمال عبدالناصر، وانعكست هذه العلاقات فى مساندة تنزانيا لمصر فى المحافل الدولية. وتنزانيا تساهم فى الايراد السنوى لبحيرة فيكتوريا بما مقداره 7.1 مليار متر مكعب سنويا، يصل منها فى بحيرة ناصر بأسوان حوالى 2.7 مليار متر مكعب.
وقد كان لهذه الجذور التاريخية للعلاقات بين مصر وتنزانيا وجوداً مؤثراً أثناء زيارة رئيس الوزراء المهندس ابراهيم محلب لتنزانيا فى ابريل 2014، نيابة عن رئيس الجمهورية، للمشاركة فى الاحتفالية الكبرى التى أقامتها تنزانيا إحتفالاً بالعيد الخمسين للوحدة التنزانية، حيث أكد سيادته على أن مصر تنظر الى القارة الافريقية بوصفها احد جذور الحضارة المصرية.
وتتميز علاقات مصر بتنزانيا بوجود تعاون وثيق بينهما فى شتى المجالات، ووجود العديد من الاتفاقيات المشتركة بين البلدين منذ سبعينات القرن الماضي لدعم الاستثمارات والتعاون التجاري بين البلدين، ثم توالت الاتفاقيات المشتركة فى كافة المجالات والتي كان آخرها اتفاق انشاء مجلس أعمال مصري تنزاني مشترك بين جمعية رجال الأعمال المصريين واتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة التنزاني، والاتفاق على ضرورة اقامة منطقة تجاره حرة فى البلدين بهدف دعم الاستثمارات والتعاون التجاري.
أما فى مجال الموارد المائية، فقد جاءت المشروعات المصرية إستجابة لطلب تنزانيا بحفر العديد من الآبار الجوفية فى المناطق التى تعانى قلة مياه الشرب النقية، حيث انتهت مصر فى سبتمبر 2009 من حفر 30 بئراً للمياه بمنحة قدرها مليون دولار، وتم التوقيع على اتفاقية أخرى فى ديسمبر 2009 تقوم مصر بمقتضاها بحفر 70 بئراً جوفياً على ثلاث مراحل ضمن المنحة المصرية للحكومة التنزانية بلغت قيمتها 5 مليون دولار لتوفير المياه الصالحة للشرب لخدمة المواطنين، بالإضافة الى تنفيذ عدد من برامج التدريب وبناء القدرات للكوادر الفنية فى تنزانيا.
وتفعيلاً للاتفاق الذى تم التوقيع عليه فى نهاية 2009، أصدرتُ قراراً نهاية العام الماضي تضمن تفعيل هذه المنحة والعمل على توفير مصادر مياه شرب نقية للشعب التنزاني فى الولايات التى تعانى من فترات الجفاف، حيث تم الانتهاء من حفر 17 بئراً للمياه منها ثلاثة آبار تدار بالطاقة الشمسية، وتم تسليمها الى الحكومة التنزانية. وقد أبدى الشعب التنزاني والمسئولين فى تنزانيا سعادتهم وامتنانهم باهتمام الحكومة المصرية وحرصها على توفير مياه الشرب النظيفة لمواطني تنزانيا، كما طالبوا بالمزيد من الدعم المصري فى حفر الآبار، الأمر الذى يمثله المشروع المصري من خطوة مهمة فى تحقيق التنمية والإسهام فى تخفيف المعاناة الكبيرة التى يواجهها المواطن التنزانى. وقد احتضنت القاهرة الشهر الماضى دورة تدريبية لعدد عشرة متدربين فى مجال الإدارة المتكاملة للموارد المائية.
ولم تتوقف المشروعات التى تقيمها مصر فى تنزانيا عند مجال الموارد المائية فقط، بل امتدت هذه المشروعات الى مجال الصحة من خلال إنشاء الوحدات الصحية والعيادات ، وفى مجال التعليم تقدم مصر الى تنزانيا منحاً دراسية تصل الى 300 منحة سنوياً ، بالإضافة الى العلاقات المتميزة بين الأزهر الشريف وبين تنزانيا حيث يتم إيفاد ممثل عن شيخ الازهر كل عام لتسليم جوائز مسابقة القرآن الكريم التى يعقدها المركز الإسلامي المصري بدار السلام فى شهر رمضان، فضلاً عن قيام وزارة الاوقاف المصرية بتغطية كافة نفقات إدارة المركز الذى يدرس به ما يزيد عن 1400 طالب فى مراحل التعليم المختلفة.
وقد استضافت تنزانيا الشهر الماضى الاجتماع الثالث والعشرين للمجلس الوزارى لمبادرة حوض النيل والذى تم استقبال الوفد المصرى خلاله بكل ترحاب، وكانت وفود جميع الدول المشاركة تتوق لعودة مصر الكاملة للمبادرة. وقد شهد الاجتماع الوزارى انتقال رئاسة المجلس الوزارى للمبادرة لتنزانيا ونأمل خلال رئاستها للمجلس ان تقوم بدور توفيقى لتقريب وجهات النظر نحو النقاط الخلافية العالقة، والتى أدت الى تجميد مصر لأنشطتها بالمبادرة
حفظ الله مصر وشعبها ونيلها من كل سوء.