مصر ودول حوض النيل … مستقبل له تاريخ (3) اثيوبيا

فى سلسلة مقالاتنا عن دول حوض النيل نتناول دولة إثيوبيا الشقيقة ، تلك الدولة شديدة الأهمية ، والتى تربطنا بها علاقات قوية، وقد ترجم تلك العلاقة موقف الرئيس عبدالفتاح السيسي بمطار القاهرة الشهر الماضى عند إستقباله 27 مواطنا اثيوبيا كانوا محتجزين فى ليبيا وتم تأمين خروجهم من ليبيا بأمان على أيدى القوات المصرية، الأمر الذى كان له اثراً ايجابياً بالغاً لدى الشعب الإثيوبي والحكومة الاثيوبية وأيضاً علينا كمصريين على تلك اللفتة الإنسانية، وحمل رسالة هامة الى المجتمع الإثيوبي مفادها ان مصر تقف بجانب الشعب الإثيوبي. لقد كان هذا الموقف المصري تطبيقاً عملياً للسياسة المصرية الجديدة التى تنتهجها مصر بشأن علاقاتها الخارجية المرتبطة بالقارة الافريقية بصفة عامة ودول حوض النيل خاصة.

وكانت بداية تلك السياسة الجديدة فى اللقاء الذى عقد بين الرئيس السيسي ورئيس الوزراء الأثيوبي ديسالين على هامش القمة الافريقية بغينيا الاستوائية العام الماضى، حيث تم تدشين قواعد جديدة بين البلدين لحل الخلاف الناشىء عن سد النهضة من خلال إعلان يستند على مبادئ التعاون والاحترام المتبادل وحسن الجوار واحترام القانون الدولي وتحقيق المكاسب المشتركة، وكان بداية لإستئناف المفاوضات الفنية فى الخرطوم فى أغسطس 2014 بين مصر والسودان وأثيوبيا وكان لى شرف رئاسة الوفد المصرى و التوصل لخارطة طريق لأول مرة نسير على أساسها حاليا بعد فترة طويلة من التعثر ونشوء الخلاف منذ عام 2011 وتم تحقيق خطوات إيجابية انتهت بإختيار مكتبين استشاريين عالميين احدهما فرنسى ويعاونه مكتب آخر هولندى للقيام بالدراسات العلمية سواء مائية أو بيئية أو إقتصادية أو إجتماعية وتقديم التوصيات بما يضمن تلافى الآثار السلبية للسد على دول المصب مصر والسودان .

وساعد هذا الجو الإيجابى إلى التوصل للتوقيع على اتفاقية المبادئ الاطارية بشأن سد النهضة الإثيوبي، والتي قام قادة مصر وأثيوبيا والسودان بالتوقيع عليها بالخرطوم فى مارس الماضى وتبعها زيارة تاريخية للرئيس لأديس أبابا فى أول زيارة منذ 30 عاما كانت لها أكبر الأثر فى تنمية العلاقة بين البلدين فى العصر الحديث وكنت شاهد عيان على حفاوة الإستقبال الشعبى والحكومى أثناء مصاحبتى للرئيس ضمن الوفد المصرى. وكان تعدد اللقاءات بين زعيمى الدولتين والتى وصلت الى 4 لقاءات رئاسية فى أقل من عام واحد، وهو مؤشر واضح على التطور الايجابى بين الدولتين. ولايفوتنى ان انوه عن الدور البارز لوزارة الخارجية وعلى رأسها وزيرها فى اتمام هذه الأعمال والمجهود المميز لسفيرنا فى اثيوبيا محمد ادريس.

وإنتهجت وزارة الموارد المائية والرى أيضا نفس النهج فى تنمية العلاقات مع نظيرتها الأثيوبية من خلال الزيارات المتبادلة التى شملت احداها زيارة موقع السد مع بعض الخبراء المصريين وأيضا من خلال تنظيم العديد من برامج التدريب وبناء القدرات فى مجال الموارد المائية والري من خلال المعاهد والمراكز البحثية المتخصصة بالوزارة وقد بلغ عدد المتدربين الأثيوبيين فى مصر نحو 50 متدربا حتى الآن، فضلا عن تقديم المنح الدراسية للباحثين الإثيوبيين للحصول على الماجستير او الدكتوراه، وإيفاد الكوادر الإثيوبية لنيل دبلومة الموارد المائية المشتركة بالجامعات المصرية وبتمويل من وزارة الرى المصرية ، فيما تقوم الوزارة حاليا بجهود حثيثة نحو تقديم الدعم الفني لإنشاء معمل أبحاث المحاكاة الهيدروليكية بأديس أبابا ، والإهتمام بتنمية الأبحاث الفنية المتعلقة بالمياه وتبادل الخبرات بين جامعة أديس أبابا والمراكز البحثية المتخصصة بالوزارة في مجال إدارة المنشآت المائية والموارد المائية السطحية والجوفية وحصاد الأمطار وتكنولوجيا إدارة المياه من خلال منحة مصرية  بقيمة اجمالية 6 مليون دولار. وجارى حاليا الترتيب لزيارة وفد من أساتذة الجامعات المصرية للقاء نظرائهم بجامعة أديس أبابا فى مجالات بناء السدود.

إن السياسة المصرية الجديدة منذ تولى الرئيس السيسى نجحت فى تحويل العلاقات المصرية مع اثيوبيا الى علاقات تعاون وانتفاع بعد ان توترت لسنوات طويلة ، كما انها نجحت فى التأكيد وبشكل عملي على ما تنادى به مصر وتؤكد عليه منذ سنوات ان التعاون والتحاور بدبلوماسية هادئة حول القضايا المشتركة هو السبيل الوحيد فى تنمية دولنا والارتقاء بالمستوى المعيشي لشعوبنا، وفى الوقت نفسه يساعد مستقبلاً فى التوافق على مجموعة من المشروعات المشتركة بين مصر ودول الحوض سواء حوض النيل الشرقي او حوض النيل الجنوبي ، ويكون فيها الخير للجميع….

حفظ الله مصر وشعبها ونيلها من أى سوء.