بدأنا فى الاسبوع الماضى سلسلة مقالات عن مفاوضات سد النهضة، وتناولنا فى المقال السابق محطة هامة مر عليها قطار سد النهضة وهى أول اجتماع ثلاثي بالخرطوم فى اغسطس 2014، ونصل اليوم للمحطة الثانية والتى شهدتها اديس ابابا فى سبتمبر 2014 على المستوى الوزارى، حيث انعقد اول اجتماع للجنة الوطنية الثلاثية بعد تشكيلها، والتى تم فيها الإنتهاء من الشروط المرجعية والقواعد الاجرائية لأعمال اللجنة الثلاثية والتوقيع عليها من الأطراف الثلاثة.
وقد تضمنت الاجراءات الخاصة باعمال اللجنة: تشكيل الفريق الوطنى المساعد لاعضاء اللجنة من كل دولة، والحد الادنى من كل دولة لقانونية عقد الاجتماعات، وآلية رئاسة الدول للاجتماعات، ودورية الانعقاد، وآلية تبادل البيانات والمعلومات والمستندات، واللغة المعتمدة فى كتابة المحاضر والبيانات والتقارير. كما تم البدء فى عملية اختيار القائمة المختصرة للمكاتب الاستشارية التى سيتم مخاطبتها لتقديم العروض الفنية والمالية للمشاركة فى اتمام الدراستين، ووضع قواعد ومعايير تقييم واختيار تلك المكاتب
وقد شهد الاجتماع الاتفاق على ان تقوم كل دولة باختيار ثلاثة مكاتب وضم تلك المكاتب فى قائمة مختصرة، ثم البدء فى اجراءات اختيار افضل المكاتب طبقا لمعايير موضوعية يتم الاتفاق عليها. كما شهد الاجتماع الاتفاق علي التعاقد مع أحد المكاتب القانونية، بهدف إدارة العملية المالية والتعاقدية مع المكتب الاستشاري الذي سيقوم بإتمام الدراستين. وقد اتفقت الوفود الثلاثة على الاستعانة بمكتب قانونى انجليزى سبق الاستعانة به اثناء أعمال اللجنة الدولية الخبراء
وقد تواكب مع اجتماعات اليوم الثانى، قيامى والاخ الصديق الوزير السودانى معتز موسى، بتلبية دعوة السيد تينيجو اليمايو الوزير الاثيوبى لزيارة موقع السد، وقد رافقنى عدد من الخبراء المصريين من ذوى التخصصات المختلفة، والحقيقة ان زيارة موقع السد كان غرضها فنى وهندسى بحت بحكم خبرتى كإستشارى هندسى فى مجال الرى والهيدروليكا وأستاذ جامعى ورئيس قسم الرى بكلية الهندسة بجامعة الأسكندرية .
وقد نجحت زيارة موقع السد فى زيادة اواصر الثقة بين الدول الثلاث، بعد ان تمت فى جو ايجابى وشفاف وإعطاء رسالة أن مصر جادة فى هذه المفاوضات بما لا يؤثر على حق الاجيال القادمة ولتحقيق مزيد من التنمية ، وقد رحب الجانب الاثيوبى بزيارة اى من الخبراء المصريين لموقع السد فى اى وقت يرغب فيه الجانب المصرى، كما تم الرد على كل الاستفسارات الفنية التى وجهها الخبراء المصريون، وتم تسليم الوفدين المصرى والسودانى التصميمات المعدلة الخاصة بأمان السد الرئيسى والمساعد، والتى لم يسبق لنا الحصول عليها منذ صدور التقرير النهائى للجنة الخبراء الدولية
وعلى هامش هذا الاجتماع عقد الوفد المصري برئاستى جلسة ثنائية مع الوزير الاثيوبي ووفد من وزارة المياه الاثيوبية، وذلك بناء على طلبهم، بهدف عرض الدراسات الخاصة ببعض السدود الاثيوبية التي كان قد سبق الاعلان عنها حينذاك،
كل هذه المحطات وما سنتناوله فى المقالات القادمة هى افضل مثال على تكريس الدولة لكل الجهود للحفاظ على المصالح المائية المصرية والتى تجلى خلالها حرص جميع المسئولين على مختلف المستويات سواء السياسية او الدبلوماسية او الفنية على عدم التفريط فى أى قطرة مياه من نهر النيل العظيم واهب الحياة لهذا الوطن. وقد تعمدت ان اتناول بالتفصيل كل محطة من محطات العام الماضى ليتعرف الجميع على كل الخطوات التى قطعناها لنصل الى ماحققناه. والحقيقة ان غرضى من الاسهاب والتفصيل لايقتصر فقط على توثيق تلك الفترة التاريخية التى نمر بها ونتعامل خلالها مع منشأ مائى ضخم يقام على النيل الازرق وخارج الحدود المصرية، ولكنه يتجاوزه لبث مزيد من الطمأنينة والثقة لدى كل المصريين بان القائمين على الملف يديرونه بكل مهنية ووطنية ، ولا يدخرون أى جهد ليلاً ونهاراً للوصول الى رؤية مشتركة تجاه هذا الملف للحفاظ على حقوق الاجيال القادمة.
وفى المقال القادم نستكمل الحديث عن المحطة الثالثة فى مفاوضات سد النهضة والتى شهدتها القاهرة فى اكتوبر 2014.
حفظ الله مصر وشعبها ونيلها من كل سوء