“انطلق الصندل محملا بكمية 500 طن من الفوسفات الخام من محاجر مدينة أسوان ، في طريقه الى احدى شركات الاسمدة في الوجه البحرى، واستمر في حركته تجاه مدينة قنا، وعند استعداده للمرورتحت كوبري دندرة،حدث عطل فنيللصندل فاصطدم بأحد اعمدة الكوبري مما جعله يميل ويغرق”.
تلك كانت لحظة ميلاد أزمة وقعت ظهر يوم الثلاثاء 21 ابريل واستمرت لمدة عشرة ايام ، وربما نسمع عن حوادث السير اليومية في الطرق او السكك الحديدية او غيرها من الحوادث، لكن هذا الحادث اخذ ابعادا مختلفة لانه ارتبط بنهر النيل، الذي تتعلق به حياة أكثر من 90 مليون مصري.وقد بدأت الأزمة في النمو والتصاعد عندمااستغلت بعض الاطراف ماحدث – إما عن جهل أو عن عمد او حتى على سبيل الدعابة – لتبث رسائل سلبية وتطلق الشائعات، التي زادت من مخاوف المصريين وجعلتهم في حالة ترقب وانتظار لما ستفعله الدولة لحل المشكلة.
وقد حاول البعض استغلال حادث تسمم عدد من المواطنين بمركز الابراهيمية بمحافظة الشرقية والربط بينه وبين غرق صندل الفوسفات، رغم أن التفكير المنطقي يقول أنه من غير المعقول أن رحلة المياه التي تستغرق 10 أيام تختار مركزاً بعينه في محافظة بالوجه البحري، وأن يتأثر بعض الاهالى بمياه ملوثة قادمة من قنا دون أن يمر هذا التلوث على المحافظات الاخرى الواقعة على مجرى النيل، ويؤثر بالتبعية في سكانها، مع وجود عشرات من محطات الشرب التى تعمل بكامل طاقتها.
كما حاول البعض ان يشيع ان حمولة الصندل ليست فوسفاتا خاما ولكن مواد مشعة!!. واستغلت بعض الاطراف هذه الشائعات لتروج لبيع زجاجات المياه المعبأة. كما صاحب الازمة موجة من السخرية والمداعبات على شبكات التواصل الاجتماعى وخلال رسوم الكاريكاتير، لتضفى مزيدا من الاثارة والترقب لرد فعل الحكومة تجاه الازمة
لذلك كان من الضرورى التعامل مع هذه الازمة بكل جدية وصراحة وشفافية، بدون تهويل او تهوين، مستندين على الرأى العلمى والتحاليل المختلفة لنوعية المياه من موقع الحادث وما بعدها على طول النهر، وذلك لطمأنة المواطنين الذين انتابتهم المخاوف على صحتهم وصحة أبنائهم أولا، ثم لتوصيل الحقائق والمعلومات الصحيحة بدلا من الشائعات، وثالثا لبيان الاجراءات التي اتخذتها الحكومة للتعامل مع الازمة.
بدأت ادارة الازمة من خلال اصدار تعليمات فورية لجميع اجهزة وزارة الرى ومعداتها، بالتوجه لمكان الحادث والعمل علي احتواء الموقف، كما توجهت ايضا أجهزة محافظة قنا والشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي والبيئة والصحة والقوات المسلحة الي موقع الحادث.كانت الاولوية لتفريغ خزان وقود الصندل الذى حوى بداخله 5 آلاف لترسولار وهى العملية التى تمت بنجاح، لان خزان الوقود كان الجزء الوحيد الظاهر فوق سطح المياه، مما سهل من عملية الشفط الى خارج النهر قبل الغرق الكامل للصندل. بعد ذلكتم تفريغ شحنة الفوسفات الموجودة بالصندل، بمعاونة اجهزة وزارة الرى والقوات المسلحة، باستخدام طلمبات الشفط المخصصة لهذا الغرض وذلك خلال الايام الثلاثة الاولى من الحادث.
كما تم التنبيه بضرورة مراقبه حالة المياه علي مدار الساعة واخذ العينات وتحليلها اولا بأول ، والتى تجاوزت 650 عينة تم سحبها وتحليلها منذ وقوع الحادث بمعامل وزارات الصحة والري والبيئة والاسكان وجاءت كلها مطابقة للمواصفات والمعايير الفنية والقياسية لمياه نهر النيل.
وقد قامت القوات المسلحة بدور بارز في إنهاء الأزمة، حيث وفرت الوسائل المتطورة من أوناش عملاقة ووسائد هوائية للإسراع بانتشال الصندل ، كما وفرت أطقم الغطاسين الذين عملوا في ورديات متواصلة من أجل تواصل أعمال رفع الصندل، ثم في النهاية اجراء عملية تقطيع للصندل إلى ثلاثة أجزاء لتسهيل عملية الرفع خاصة وان طول الصندل يتجاوز 70 مترا. وهو دور ليس جديدا او غريبا على قواتنا المسلحة التى يستحق طاقم الانقاذ والانتشال كل الشكر والتقدير، فقد تواصل عملهم ليلا ونهارا بدون كلل او تعب. كما لا يمكن ان انسى الغطاسين الذين امضوا ساعات طويلة تحت الماء لدعم عملية الانتشال وعودة الملاحة لوضعها الطبيعى بالنهر
كل هذه الجهود تمت بسرعة لاحتواء الموقف ، وكان حتمياً أن تصاحبها جهود أخرى لاتقل عنها أهمية لاعطاء الصورة الحقيقية للرأي العام، وتمتبعمل أكثر من35 مداخلة تليفزيونية لتوضيح حقيقة الموقف والاجراءات الجاري تنفيذها أولاً بأول، وتم اصدار 18 بيان صحفي من وزارة الموارد المائية والري بمعدل بيان كل 12 ساعه تتابع خطوات العمل خطوة بخطوة، مما أدى إلى محاصرة الشائعات تماما.
وقد توجهت لموقع الحادث بمرافقة السيد محافظ قنا، فور وصولى فى نفس اليوم من الخرطوم لتفقد اعمال الانتشال والتنسيق بين وزارة الرى وغيرها من الاجهزة المعنية. كما تم الاطمئنان على الحالة الانشائية لدعامة الكوبرى الذى ارتطم به الصندل وتم التاكد من سلامته بحمد الله. كما قام السيد وزير البيئة بزيارة مماثلة لمتابعة الموقف. وقد نجحت تلك المتابعات الميدانية في تنسيق الجهود وحل الازمة بشكل جيد.
اتسم التعامل مع هذه الازمة بالشفافية الكاملة ، لأننا أقسمنا لدى اداء اليمين الدستورية على الحفاظ على سلامة الوطن ، واكدت مرارا لوسائل الاعلام انه لو كان هناك اى احتمال ضئيل ولو بنسبة 1%، لوجود أى خطر من جراء غرق الفوسفات الخام لكنا قد أعلنا عنه فوريا وقت حدوثه، فالفوسفات الخام غير مصنف من المواد الخطرة، ومن خصائصه عدم القابلية للذوبان في الماء، لهذا يتم السماح بنقله داخل النهر، على عكس مواد اخرى محظور نقلها لخطورتها مثل البترول والوقود والكبريت وغيرها من المواد التى تخضع لحظر تام ويتم مراقبتها من جميع الجهات المعنية بكل دقة
انتهت ازمة غرق صندل الفوسفات بفضل الله دون خسائر وتم احتواء الموقف ، وتأكد المصريون من صدق التصريحات الرسمية بعدم وجود اى خطر من جراء سقوط الفوسفات الخام. واستمرت مئات محطات الشرب في عملها دون توقف، ولم نسمع عن اى شكوى من نوعية المياه في النهر او حدوث نفوق للاسماك او وقوع حالات مرضية او غيرها بحمد الله. لاننا كنا صادقين مع انفسنا قبل ان نكون صادقين امام الرأى العام. وكما ذكرت امام وسائل الاعلام فنهر النيل امام الجميع وليذهب اى متشكك ويأخذ عينة من الماء ويحللها ليتأكد بنفسه اذا كانت هناك اى آثار مترتبة على الحادث من عدمه.
ومن وجهة نظر منصفة وموضوعية، فقد نجحت اجهزة الدولة المختلفة في ادارة الازمة، نتيجة اسلوب المصارحة والمكاشفة التى انتهجتها. كما كان هناك توافق تام بين كل الجهات التى تعاملت مع الازمة، ومتابعة لحظية لكل تطورات الموقف بدءأ من السيد رئيس الجمهورية والسيد رئيس مجلس الوزراء والوزراء المعنيين والمحافظين. لكن هذا لايمنع أن هناك بعض الدروس المستفادة التي يجب وضعها في الاعتبار من أجل منع تكرار هذه الأزمة مرة أخرى ، ومنها مراجعه اشتراطات النقل النهري والسلامة الفنية للصنادل والعائمات بالتعاون مع الجهات المعنية ، ومزيد من التدقيق لمعايير التعبئة والنقل. مع التوسع في انشاء مراكز الانقاذ النهرى لتستوعب اى ازمات مستقبلية لا قدر الله
حفظ الله مصر وشعبها ونيلها، من كل سوء