السد العالي شباب في الخامسة والخمسين

نحتفل هذا الشهر بحدثين مهمين‏,‏ الاول هو مرور خمسة وخمسين عاما لوضع حجر الأساس لبناء السد العالي‏,‏ الذي يوافق‏9‏ يناير‏1960,‏ والثاني هي الذكري الرابعة والأربعين علي افتتاح السد العالي والذي يوافق‏15‏ يناير‏.1971‏

ويعتبر السد العالي أعظم وأكبر مشروع هندسي في القرن العشرين من الناحية المعمارية والهندسية متفوقا في ذلك علي مشاريع عالمية عملاقة أخري, وأقيم السد العالي لحماية مصر من الفيضانات العالية التي كانت تفيض علي البلاد وتغرق مساحات واسعة فيها أو تضيع هدرا في البحر المتوسط.

لذلك اتجه التفكير إلي إنشاء سد ضخم علي النيل لتخزين المياه في السنوات ذات الإيراد العالي لاستخدامها في السنوات ذات الإيراد المنخفض, فكان إنشاء السد العالي أول مشروع للتخزين المستمر علي مستوي دول حوض النيل يتم تنفيذه داخل الحدود المصرية.

وقد بني السد العالي بأيد وإرادة مصرية خالصة,وشارك في بنائه نحو35 ألف مهندس وفني وعامل وتم تنفيذ هذا الصرح الضخم عبر عدة مراحل بدءا من تقدم المهندس المصري اليوناني الأصل أدريان دانينوس بمشروع لحجز فيضان النيل وتخزين مياهه وبداية الدراسات بناء علي قرار مجلس قيادة ثورة1952 من قبل وزارة الأشغال العمومية( وزارة الموارد المائية والري حاليا) وسلاح المهندسين بالجيش ومجموعة منتقاة من أساتذة الجامعات, مرورا بوضع تصميماته وإقرارها في ديسمبر1954, ثم مرحلة تمويله التي شهدت ملحمة مصرية تداخلت فيها الهندسة مع السياسة مع الاقتصاد, بعد أن رفض البنك الدولي تقديم التمويل اللازم لبناء السد, فاضطر مجلس قيادة الثورة إلي تأميم قناة السويس لتوفير سيولة كافية لتنفيذ المشروع, الأمر الذي أدي إلي العدوان الثلاثي علي مصر عام1956 واندحاره.

انطلق العمل في بناء السد في التاسع من يناير عام1960, من خلال عدة مراحل تم خلالها حفر قناة التحويل والأنفاق وتحويل مياه النهر إلي قناة التحويل والأنفاق والبدء في تخزين المياه بالبحيرة وبناء جسم السد حتي نهايته وإتمام بناء محطة الكهرباء إلي أن انطلقت الشرارة الأولي من محطة كهرباء السد العالي في أكتوبر1967, وبدأ تخزين المياه بالكامل أمام السد العالي منذ عام1968, وفي منتصف يوليو1970 اكتمل صرح المشروع, وفي15 يناير1971 تم الاحتفال بافتتاح السد العالي.

وقد صمم السد العالي بحيث يكون أقصي منسوب للمياه المحجوزة أمامه183 مترا حيث تبلغ سعة البحيرة التخزينية عند هذا المنسوب169 مليار متر مكعب, وتم تنفيذ مفيض لتصريف مياه البحيرة إذا ارتفع منسوبها عن المنسوب المقرر للتخزين, وتم إنشاء مفيض توشكي في نهاية عام1981 لوقاية البلاد من أخطار الفيضانات العالية.
وقد حمي السد العالي مصر من كوارث الجفاف والمجاعات نتيجة للفيضانات المتعاقبة شحيحةتالإيراد كما حماها من أخطار الفيضانات العالية,فعلي مدار تسع سنوات منذ عام1987 وحتي1996 كان الفيضانات في مصر منخفضة الإيراد ولم يشعر المصريون بذلك لإمداد السد العالي لهم بما يحتاجونه في تلك السنوات من مياه, ثم بدأت الفيضانات تتوسط وترتفع منذ عام1996 وحتي الآن, ولولا وجود السد العالي لتكبدت الدولة نفقات طائلة في مقاومة هذه الفيضانات وإزالة آثارها المدمرة.

ويتميز السد العالي بكفاءة الستارة الرأسية المانعة لتتسرب المياه وهي مثل لوح مصمت مانع للرشح عرضها40 مترا تخترق جسم السد العالي بطول2320 مترا وعمق170 مترا منهم130 أسفل قاع السد. طبقا للتصميمات, يتم قياس كفاءة الستارة شهريا وإذا وصلت نسبة كفاءتها إلي60% يعاد حقنها, إلا أنه منذ عام1971 وحتي الآن ظلت كفاءة الستارة حول الـ96% مما يدل علي أن السد العالي آمن. كما أظهرت الدراسات الدورية لقياس حركة جسم السد الأفقية والرأسية أنها في الحدود الآمنة.

وحرصا علي استمرارية دور السد العالي في العطاء والعمل بكفاءة عالية تضعه وزارة الموارد المائية والري علي قمة أولويات أعمالها وتوليه اهتماما بالغا من خلال أعمال الصيانة المستمرة والتجديد وإنشاء الأنظمة المتطورة في مجال التنبؤ والوقاية والإنذار المبكر لتأمين جسم السد وخزان أسوان, كما تم إنشاء منظومة التأمين الفني لمداخل ومخارج جسم السد, علاوة علي تطوير سفن الأبحاث العلمية وميناء المعدات النهرية وإقامة محطات هيدرومناخية عائمة لأبحاث البخر بالبحيرة, وإحلال وتجديد شبكة العجلة الأرضية علي جسم السد وأعمال التشغيل والصيانة للسد والمنشآت الملحقة به وتخزين وصرف المياه من بحيرة ناصر وخزان أسوان. وتقوم الوزارة خلال العام المالي الحالي بتنفيذ العديد من الأعمال الهادفة إلي تحسين منظومة الأداء والتشغيل بالسد العالي بتكلفة إجمالية بلغت(122 مليون جنيه) تضمنت تعميق وتوسيع كيلو مترين من خور توشكي, وجار تنفيذ أعمال توسيع قناة مفيض توشكي في ثمانية كيلو مترات بالبرين الأيمن والأيسر للقناة.
ونحن نطفيء الشمعة الخامسة والخمسين من عمر السد العالي, فإننا نؤكد أنه مازال شابا قادرا علي العطاء, وقد قدم أبناء مصر الأوفياء في ذكري ميلاده فكرة االحملة القومية لإنقاذ نهر النيل, والتي يشارك كافة أطياف الشعب في تنفيذها خلال العام الحالي2015 لإزالة التعديات التي وقعت علي النهر طيلة السنوات الماضية.

وسيظل السد العالي رمزا حيا علي قدرات المصريين علي العطاء والإبداع والتحدي, والآن ونحن نحتفل بهذه الذكري ندعو المصريين جميعا لاستلهام الدروس المستفادة في إنجاز هذا المشروع الضخم وتطبيقها في جميع المشروعات الحالية لتنهض بلادنا وتتحقق مسيرة التنمية في شتي مجالات حياتنا.