الخزان الجوفي في مصر … أمل مصر للتوسع الزراعي

تصدر موضوع المياه الجوفية اهتمام كثير من الخبراء والمتخصصين بعد إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي عن البدء في استصلاح مليون فدان كمرحلة أولى من المشروع القومي لاستصلاح 4 ملايين فدان خلال الفترة القادمة ، وهى مساحة تتوزع في عدة مناطق تشمل توشكي والفرافرة القديمة والجديدة وامتداد الداخلة وامتداد شرق العوينات وغرب المنيا والمغرة وشرق سيوة وجنوب منخفض القطارة ، وتعتمد 90% منها على الري باستخدام المياه الجوفية و10% فقط على المياه النيلية تتركز في توشكي وترعة السلام سيناء. وقد يعتقد البعض أن الاعتماد على المياة الجوفية في ظل إرتفاع تكلفتها هو نوع من أنواع الترف، ولكنه ضرورة حتمية لعدة أسباب مثل محدودية إيراد نهر النيل وزالزيادة المضطرة في عدد السكان والاعتداء المستمر على الدلتا وتناقص الأراضي الزراعية مما يزيد الفجوة الغذائية إتساعاً، ولذلك كانت الرؤية الاستراتيجية هو التوسع في الصحراء لإضافة مساحات جديدة تعوض ما تم خسارته، وتلبي إحتياجات مصر من الانتاج الزراعي، بالاضافة لما هو أهم وهو خلق مجتمعات عمرانية حديثة للخروج من ضيق الوادي والدلتا الذي لا تزيد مساحته عن 5% إلى رحابة الصحراء التي تغطى أكثر من 95% من مساحة مصر ، وهذه المجتمعات ليست زراعية فقط بل صناعية وسياحية أيضاً مثلما حدث في مناطق عديدة كانت صحراء وأصبحت من أجمل المدن حاليا.

ويبلغ العدد الإجمالى للآبار الجوفية بمصر حوالي 77 ألف بئر جوفي تقريباً ، ونظراً للدور الذي تلعبه المياه الجوفية كأحد البدائل التي تساهم في سد العجز المائي أثناء فترات أقصى الاحتياجات أو خلال سنوات العجز المائي في إيراد نهر النيل، فقد دأبت وزارة الموارد المائية والري على إجراء مسح شامل للآبار سواء المستغلة في الري أو الشرب أو الصناعة وذلك بهدف تقدير الكميات المستغلة من الخزان الجوفي ومراقبة التغير في مناسيب المياه الجوفية ودرجة الملوحة ، لذا يعتبر استغلال المياه الجوفية في دلتا نهر النيل بمثابة استغلال غير مباشر لمياه نهر النيل والترع الرئيسية والفرعية.

هناك مناطق (مثل الفرافرة القديمة والجديدة) تتوافر بها المياه الجوفية على أعماق تصل لحوالي ألف متر ومن ثم فإن تكلفة حفر هذه الآبار تكون عالية حيث تصل إلى 2 مليون جنيه لكن المياه تتدفق منها بتصرفات عالية دون الحاجة لمصدر طاقة لرفعها ، وعلى الجانب الآخر هناك مناطق مثل توشكي والمغرة وغرب المنيا وشرق العوينات تتواجد فيها المياه على أعماق صغيرة حيث يقل عمق البئر عن 300 متر.ونتيجة النقص الذي تعانيه مصر في مصادر الطاقة فلابد لنا من الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة الموجودة بوفرة في مصر مثل الطاقة الشمسية ، لأنها تعتبر طاقة نظيفة غير ملوثة للبيئة مما يعطيها قيمة اقتصادية مضافة ، وبالرغم من تكلفتها الابتدائية العالية لتشغيل الآبار بالطاقة الشمسية ، فإن لها مردود اقتصادي على المدى القصير ومردود بيئي على المدى البعيد ، كما أنه يتم استعاضة تكاليف التشغيل والصيانة مقارنة باستهلاك الديزل والسولار. وتتميز هذه الطاقة بانخفاض تكلفة العمالة المطلوبة للتشغيل والصيانة وضمان استدامة المخزون الجوفي وعدم حدوث نضوب نتيجة السحب الجائر باستخدام الطاقة التقليدية

وبالرغم من أن التنمية السياحية في المناطق الساحلية بشبه جزيرة سيناء أحد أهم مصادر الدخل القومي وتوفير فرص العمل، إلا أن ندرة الموارد المائية العذبة بشبه جزيرة سيناء تمثل تحدياً أمام خطط التنمية وخاصة فيما يتعلق بمحدودية المخزون الجوفي في بعض المناطق وارتفاع درجة ملوحة المياه في البعض منها. لذا تعتبر تحليه مياه البحر هي المصدر الرئيسي والأوحد الذي يمكن الاعتماد عليه في وضع خطط التنمية السياحية المستدامة في المناطق الساحلية آخذين في الاعتبار أنه مصدر متجدد لا ينضب ،مع استغلال الابار في المناطق البعيدة عن الشواطئ والاستفادة من السيول والامطار لشحن الخزانات الجوفية ، وهو ماتقوم به الوزارة حالياً.

هناك عدد من الاحتياطات الواجب أخذها في الاعتبار عند وضع مخططات التنمية على المياه الجوفية، ومنها أن يتم الالتزام بمواصفات تصميم الآبار مثل العمق وطول المصافي ومعدل السحب الآمن وعدد ساعات التشغيل، والمسافات البينية بين الآبار كما يجب أن نأخذ فى الاعتبار أنه نتيجة انخفاض معدل التغذية للخزان الجوفي من مياه الأمطار والسيول واتصال الخزان السطحي بمياه البحر المالحة، كما يجب حماية الخزان الجوفي السطحي من مصادر التلوث المحتملة مثل (التصميم غير الآمن للمدافن الصحية – استخدام المواد الكيماوية والمبيدات في الزراعة والمساحات الخضراء – عدم التخلص الآمن من المخلفات السائلة…).

إن التعامل مع المياه الجوفية يجب أن يتم بفكر ومنهجية تختلف عن التعامل مع المياه السطحية من حيث أن طبيعة تواجدها تكون داخل الفراغات الصغيرة أو التشققات في باطن الأرض. كما أن سوء ادارة الآبار الجوفية قد يؤدي لتدهور نوعية تلك المياه على مر الزمن، وهذا النوع من التدهور يأتي نتيجة مصادر تلوث طبيعية أو مصادر بشرية مثل الكيماويات المستخدمة في الزراعة ومخلفات الصرف الصحي والصناعي وومخلفات محطات تحلية المياه.

وبناءآ عليه فقد قامت وزارة الموارد المائية والري بدراسات عديدة لتحديد الأماكن الواعدة بالمخزون الجوفي لتبدأ بها المرحلة الأولى من برنامج السيد رئيس الجمهورية لإستصلاح وزراعة مليون فدان تعتمد على المياة الجوفية بنسبة 90% بعد التأكد من توافر المياه الجوفية بما يضمن إستدامة تلك المشروعات الزراعية، مع وضع الضوابط الصارمة لإستخدامها مثل الإعتماد على نظم الري الحديثة، وعدم زراعة المحاصيل الشرهة للمياة، وتركيب العدادات (لعدم الاستخدام المفرط ومحاسبة المخالفين) وإصدار التشريعات القانونية للحماية من الاستنزاف والتلوث ، وهو ماتقوم به الوزارة حاليا من وضع تشريع جديد لحماية المياه الجوفية وضوابط استخدامها وتقنين اوضاع الآبار حيث أن مخزون المياه الجوفية هو رصيد للاجيال القادمة. حفظ الله مصر وشعبها ونيلها من كل سوء